الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
الأصل في قصر الصلاة الكتاب والسنة, والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى: قال: [وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخا أو ثمانية وأربعين ميلا بالهاشمي, فله أن يقصر] قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: في كم تقصر الصلاة؟ قال: في أربعة برد قيل له: مسيرة يوم تام؟ قال: لا أربعة برد ستة عشر فرسخا ومسيرة يومين فمذهب أبي عبد الله أن القصر لا يجوز في أقل من ستة عشر فرسخا, والفرسخ: ثلاثة أميال فيكون ثمانية وأربعين ميلا قال القاضي: والميل: اثنا عشر ألف قدم, وذلك مسيرة يومين قاصدين وقد قدره ابن عباس فقال: من عسفان إلى مكة ومن الطائف إلى مكة ومن جدة إلى مكة وذكر صاحب المسالك أن من دمشق إلى القطيفة أربعة وعشرين ميلا, ومن دمشق إلى الكسوة اثنا عشر ميلا ومن الكسوة إلى جاسم أربعة وعشرين ميلا فعلى هذا تكون مسافة القصر يومين قاصدين وهذا قول ابن عباس وابن عمر وإليه ذهب مالك والليث, والشافعي وإسحاق وروي عن ابن عمر أنه كان يقصر في مسيرة عشرة فراسخ قال ابن المنذر: ثبت أن ابن عمر كان يقصر إلى أرض له, وهي ثلاثون ميلا وروى نحو ذلك عن ابن عباس فإنه قال: يقصر في اليوم ولا يقصر فيما دونه وإليه ذهب الأوزاعي وقال: عامة العلماء يقولون: مسيرة يوم تام وبه نأخذ ويروى عن ابن مسعود, أنه يقصر في مسيرة ثلاثة أيام وبه قال الثوري وأبو حنيفة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن) وهذا يقتضي أن كل مسافر له ذلك ولأن الثلاثة متفق عليها وليس في أقل من ذلك توقيف ولا اتفاق وروي عن جماعة من السلف, رحمة الله عليهم ما يدل على جواز القصر في أقل من يوم فقال الأوزاعي: كان أنس يقصر فيما بينه وبين خمسة فراسخ وكان قبيصة بن ذؤيب, وهانئ بن كلثوم وابن محيريز يقصرون فيما بين الرملة وبيت المقدس وروي عن على رضي الله عنه أنه خرج من قصره بالكوفة حتى أتى النخيلة فصلى بها الظهر والعصر ركعتين ثم رجع من يومه فقال: أردت أن أعلمكم سنتكم وعن جبير بن نفير, قال: (خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر ميلا أو ثمانية عشر ميلا فصلى ركعتين, فقلت له فقال: رأيت عمر بن الخطاب يصلي بالحليفة ركعتين وقال: إنما فعلت كما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- يفعل) رواه مسلم وروى (أن دحية الكلبى خرج من قرية من دمشق مرة إلى قدر ثلاثة أميال في رمضان, ثم إنه أفطر وأفطر معه أناس وكره آخرون أن يفطروا, فلما رجع إلى قريته قال: والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن إني أراه إن قوما رغبوا عن هدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول ذلك للذين صاموا قبل) رواه أبو داود وروى سعيد, ثنا هاشم عن أبي هارون العبدى عن أبي سعيد الخدري قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا سافر فرسخا قصر الصلاة) وقال أنس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ, صلى ركعتين) شعبة الشاك رواه مسلم وأبو داود واحتج أصحابنا بقول ابن عباس وابن عمر قال ابن عباس: يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من عسفان إلى مكة قال الخطابي: وهو أصح الروايتين عن ابن عمر ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر, من الحل والشد فجاز القصر فيها كمسافة الثلاث, ولم يجز فيما دونها لأنه لم يثبت دليل يوجب القصر فيه وقول: أنس: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين يحتمل أنه أراد به إذا سافر سفرا طويلا قصر إذا بلغ ثلاثة أميال كما قال في لفظه الآخر: (إن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى بالمدينة أربعا, وبذى الحليفة ركعتين) قال المصنف: ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة ولا حجة فيها مع الاختلاف وقد روي عن ابن عباس, وابن عمر خلاف ما احتج به أصحابنا ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قولهم حجة مع قول النبي - صلى الله عليه وسلم- وفعله وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه لوجهين: أحدهما, أنه مخالف لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم- التي رويناها ولظاهر القرآن لأن ظاهره إباحة القصر لمن ضرب في الأرض لقوله تعالى: وإذا كان في سفينة في البحر, فهو كالبر إن كانت مسافة سفره تبلغ مسافة القصر أبيح له, وإلا فلا سواء قطعها في زمن طويل أو قصير اعتبارا بالمسافة وإن شك هل السفر مبيح للقصر أو لا؟ لم يبح له لأن الأصل وجوب الإتمام, فلا يزول بالشك وإن قصر لم تصح صلاته وإن تبين له بعدها أنه طويل لأنه صلى شاكا في صحة صلاته, فأشبه ما لو صلى شاكا في دخول الوقت. والاعتبار بالنية لا بالفعل، فيعتبر أن ينوي مسافة تبيح القصر، فلو خرج يقصد سفرا بعيدا، فقصر الصلاة، ثم بدا له فرجع، كان ما صلاه ماضيا صحيحا، ولا يقصر في رجوعه، إلا أن تكون مسافة الرجوع مبيحة بنفسها. نص أحمد على هذا. ولو خرج طالبا لعبد آبق، لا يعلم أين هو، أو منتجعا غيثا أو كلأ، متى وجده أقام أو رجع، أو سائحا في الأرض لا يقصد مكانا، لم يبح له القصر، وإن سار سفرا أياما. وقال ابن عقيل: يباح له القصر إذا بلغ مسافة مبيحة له؛ لأنه مسافر سفرا طويلا. ولنا، أنه لم يقصد مسافة القصر، فلم يبح له، كابتداء سفره، ولأنه لم يبح القصر في ابتدائه فلم يبحه في أثنائه، إذا لم يغير نيته، كالسفر القصير، وسفر المعصية، ومتى رجع هذا يقصد بلده، أو نوى مسافة القصر، فله القصر؛ لوجود نيته المبيحة، ولو قصد بلدا بعيدا، أو في عزمه أنه متى وجد طلبته دونه رجع أو أقام، لم يبح له القصر؛ لأنه لم يجزم بسفر طويل. وإن كان لا يرجع ولا يقيم بوجوده، فله القصر . ومتى كان لمقصده طريقان يباح القصر في أحدهما دون الآخر فسلك البعيد ليقصر الصلاة فيه, أبيح له لأنه مسافر سفرا بعيدا مباحا فأبيح له القصر كما لو لم يجد سواه أو كان الآخر مخوفا أو شاقا. وإن خرج الإنسان إلى السفر مكرها، كالأسير، فله القصر إذا كان سفره بعيدا، نص عليه أحمد. وقال الشافعي: لا يقصر؛ لأنه غير ناو للسفر ولا جازم به، فإن نيته أنه متى أفلت رجع. ولنا، أنه مسافر سفرا بعيدا غير محرم، فأبيح له القصر، كالمرأة مع زوجها، والعبد مع سيده، إذا كان عزمهما أنه لو مات أو زال ملكهما، رجع. وقياسهم منتقض بهذا. إذا ثبت هذا، فإنه يتم إذا صار في حصونهم، نص عليه أيضا؛ لأنه قد انقضى سفره. ويحتمل أنه لا يلزمه الإتمام؛ لأن في عزمه أنه متى أفلت رجع، فأشبه المحبوس ظلما . قال: [إذا جاوز بيوت قريته] وجملته أنه ليس لمن نوى السفر القصر حتى يخرج من بيوت قريته، ويجعلها وراء ظهره. وبهذا قال مالك، والشافعي، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو ثور، وحكي ذلك عن جماعة من التابعين. وحكي عن عطاء، وسليمان بن موسى، أنهما أباحا القصر في البلد لمن نوى السفر. . وعن الحارث بن أبي ربيعة، أنه أراد سفرا، فصلى بهم في منزله ركعتين، وفيهم الأسود بن يزيد، وغير واحد من أصحاب عبد الله. وروى عبيد بن جبر، قال: (كنت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط، في شهر رمضان، فدفع، ثم قرب غذاؤه، فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة، ثم قال: اقترب. فقلت: ألست ترى البيوت ؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل). رواه أبو داود. ولنا قول الله تعالى: { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ولا يكون ضاربا في الأرض حتى يخرج، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبتدئ القصر إذا خرج من المدينة. قال أنس: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا، وبذي الحليفة ركعتين). متفق عليه، فأما أبو بصرة فإنه لم يأكل حتى دفع، وقوله: لم يجاوز البيوت: معناه - والله أعلم - لم يبعد منها؛ بدليل قول عبيد له: ألست ترى البيوت ؟ إذا ثبت هذا؛ فإنه يجوز له القصر وإن كان قريبا من البيوت. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أن للذي يريد السفر أن يقصر الصلاة إذا خرج من بيوت القرية التي يخرج منها. وروي عن مجاهد، أنه قال: إذا خرجت مسافرا فلا تقصر الصلاة يومك ذلك إلى الليل، وإذا رجعت ليلا فلا تقصر ليلتك حتى تصبح. ولنا قول الله تعالى: { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة }. وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من المدينة لم يزد على ركعتين حتى يرجع إليها. وحديث أبي بصرة، وقال عبد الرحمن الهمذاني: خرجنا مع علي رضي الله عنه مخرجه إلى صفين، فرأيته صلى ركعتين بين الجسر وقنطرة الكوفة. وقال البخاري: خرج علي فقصر، وهو يرى البيوت، فلما رجع قيل له: هذه الكوفة. قال: لا حتى ندخلها. ولأنه مسافر، فأبيح له القصر، كما لو بعد. وإن خرج من البلد، وصار بين حيطان بساتينه، فله القصر؛ لأنه قد ترك البيوت وراء ظهره وإن كان حول البلد خراب قد تهدم وصار فضاء، أبيح له القصر فيه كذلك. وإن كانت حيطانه قائمة فكذلك. قاله الآمدي، وقال القاضي: لا يباح. وهو مذهب الشافعي لأن السكنى فيه ممكنة، أشبه العامر. ولنا، أنها غير معدة للسكنى، أشبهت حيطان البساتين. وإن كان في وسط البلد نهر فاجتازه، فليس له القصر؛ لأنه لم يخرج من البلد ولم يفارق البنيان، فأشبه الرحبة والميدان في وسط البلد. وإن كان للبلد محال، كل محلة منفردة عن الأخرى، كبغداد، فمتى خرج من محلته أبيح له القصر إذا فارق محلته، وإن كان بعضها متصلا ببعض، لم يقصر حتى يفارق جميعها. ولو كانت قريتان متدانيتين، فاتصل بناء إحداهما بالأخرى، فهما كالواحدة، وإن لم يتصل، فلكل قرية حكم نفسها . قال: [إذا جاوز بيوت قريته] وجملته أنه ليس لمن نوى السفر القصر حتى يخرج من بيوت قريته, ويجعلها وراء ظهره وبهذا قال مالك والشافعي والأوزاعي, وإسحاق وأبو ثور وحكي ذلك عن جماعة من التابعين وحكي عن عطاء, وسليمان بن موسى أنهما أباحا القصر في البلد لمن نوى السفر وعن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا, فصلى بهم في منزله ركعتين وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب عبد الله وروى عبيد بن جبر, قال: (كنت مع أبي بصرة الغفارى في سفينة من الفسطاط في شهر رمضان فدفع, ثم قرب غذاؤه فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة ثم قال: اقترب فقلت: ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأكل) رواه أبو داود ولنا, قول الله تعالى: وإن خرج من البلد وصار بين حيطان بساتينه, فله القصر لأنه قد ترك البيوت وراء ظهره وإن كان حول البلد خراب قد تهدم وصار فضاء أبيح له القصر فيه كذلك وإن كانت حيطانه قائمة فكذلك قاله الآمدي وقال القاضي: لا يباح وهو مذهب الشافعي لأن السكنى فيه ممكنة, أشبه العامر ولنا أنها غير معدة للسكنى أشبهت حيطان البساتين وإن كان في وسط البلد نهر فاجتازه, فليس له القصر لأنه لم يخرج من البلد ولم يفارق البنيان فأشبه الرحبة والميدان في وسط البلد وإن كان للبلد محال كل محلة منفردة عن الأخرى, كبغداد فمتى خرج من محلته أبيح له القصر إذا فارق محلته وإن كان بعضها متصلا ببعض, لم يقصر حتى يفارق جميعها ولو كانت قريتان متدانيتين فاتصل بناء إحداهما بالأخرى فهما كالواحدة, وإن لم يتصل فلكل قرية حكم نفسها. وإذا كان البدوى في حلة لم يقصر حتى يفارق حلته, وإن كانت حللا فلكل حلة حكم نفسها كالقرى وإن كان بيته منفردا فحتى يفارق منزله ورحله ويجعله وراء ظهره, كالحضرى. قال: [إذا كان سفره واجبا أو مباحا] وجملته أن الرخص المختصة بالسفر من القصر والجمع والفطر, والمسح ثلاثا والصلاة على الراحلة تطوعا يباح في السفر الواجب والمندوب والمباح, كسفر التجارة ونحوه وهذا قول أكثر أهل العلم وروى ذلك عن على وابن عباس, وابن عمر وبه قال الأوزاعي والشافعي وإسحاق, وأهل المدينة وأصحاب الرأي وعن ابن مسعود: لا يقصر إلا في حج أو جهاد لأن الواجب لا يترك إلا لواجب وعن عطاء كقول الجماعة وعنه: لا يقصر إلا في سبيل من سبل الخير لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- إنما قصر في سفر واجب أو مندوب ولنا قول الله تعالى: ولا تباح هذه الرخص في سفر المعصية كالإباق وقطع الطريق, والتجارة في الخمر والمحرمات نص عليه أحمد وهو مفهوم كلام الخرقي لتخصيصه الواجب والمباح وهذا قول الشافعي وقال الثوري, والأوزاعي وأبو حنيفة: له ذلك احتجاجا بما ذكرنا من النصوص ولأنه مسافر, فأبيح له الترخص كالمطيع ولنا قول الله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) أباح الأكل لمن لم يكن عاديا ولا باغيا فلا يباح لباغ ولا عاد قال ابن عباس: غير باغ على المسلمين, مفارق لجماعتهم يخيف السبيل ولا عاد عليهم ولأن الترخص شرع للإعانة على تحصيل المقصد المباح, توصلا إلى المصلحة فلو شرع ها هنا لشرع إعانة على المحرم تحصيلا للمفسدة, والشرع منزه عن هذا والنصوص وردت في حق الصحابة وكانت أسفارهم مباحة, فلا يثبت الحكم في من سفره مخالف لسفرهم ويتعين حمله على ذلك جمعا بين النصين وقياس المعصية على الطاعة بعيد, لتضادهما. فإن عدم العاصى بسفره الماء فعليه أن يتيمم لأن الصلاة واجبة لا تسقط والطهارة لها واجبة أيضا, فيكون ذلك عزيمة وهل تلزمه الإعادة؟ على وجهين: أحدهما لا تلزمه لأن التيمم عزيمة, بدليل وجوبه والرخص لا تجب والثاني: عليه الإعادة لأنه حكم يتعلق بالسفر, أشبه بقية الرخص والأول أولى لأنه أتى بما أمر به من التيمم والصلاة فلم يلزمه إعادتها ويفارق بقية الرخص, فإنه يمنع منها وهذا يجب فعله ولأن حكم بقية الرخص المنع من فعلها, ولا يمكن تعدية هذا الحكم إلى التيمم ولا إلى الصلاة لوجوب فعلهما, ووجوب الإعادة ليس بحكم في بقية الرخص فكيف يمكن أخذه منها أو تعديته عنها ويباح له المسح يوما وليلة لأن ذلك لا يختص السفر فأشبه الاستجمار, والتيمم وغيرهما من رخص الحضر وقيل: لا يجوز لأنه رخصة فلم تبح له كرخص السفر والأول أولى, وهذا ينتقض بسائر رخص الحضر. إذا كان السفر مباحا فغير نيته إلى المعصية انقطع الترخص لزوال سببه ولو سافر لمعصية فغير نيته إلى مباح, صار سفرا مباحا وأبيح له ما يباح في السفر المباح وتعتبر مسافة السفر من حين غير النية ولو كان سفره مباحا, فنوى المعصية بسفره ثم رجع إلى نية المباح اعتبرت مسافة القصر من حين رجوعه إلى نية المباح لأن حكم سفره انقطع بنية المعصية, فأشبه ما لو نوى الإقامة ثم عاد فنوى السفر فأما إن كان السفر مباحا لكنه يعصى فيه, لم يمنع ذلك الترخص لأن السبب هو السفر المباح وقد وجد فثبت حكمه, ولم يمنعه وجود معصية كما أن معصيته في الحضر لا تمنع الترخص فيه. وفي سفر التنزه والتفرج روايتان: إحداهما تبيح الترخص وهذا ظاهر كلام الخرقي لأنه سفر مباح, فدخل في عموم النصوص المذكورة وقياسا على سفر التجارة والثانية: لا يترخص فيه قال أحمد: إذا خرج الرجل إلى بعض البلدان تنزها وتلذذا وليس في طلب حديث ولا حج ولا عمرة ولا تجارة, فإنه لا يقصر الصلاة لأنه إنما شرع إعانة على تحصيل المصلحة ولا مصلحة في هذا والأول أولى. فإن سافر لزيارة القبور والمشاهد. فقال ابن عقيل: لا يباح له الترخص؛ لأنه منهي عن السفر إليها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد). متفق عليه، والصحيح إباحته، وجواز القصر فيه؛ لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء راكبا وماشيا، وكان يزور القبور، وقال: (زوروها تذكركم الآخرة). وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) فيحمل على نفي التفضيل، لا على التحريم، وليست الفضيلة شرطا في إباحة القصر، فلا يضر انتفاؤها . والملاح الذي يسير في سفينه وليس له بيت سوى سفينته, فيها أهله وتنوره وحاجته لا يباح له الترخص قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الملاح أيقصر, ويفطر في السفينة؟ قال: أما إذا كانت السفينة بيته فإنه يتم ويصوم قيل له: وكيف تكون بيته؟ قال: لا يكون له بيت غيرها معه فيها أهله وهو فيها مقيم وهذا قول عطاء وقال الشافعي يقصر ويفطر لعموم النصوص وقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة) رواه أبو داود ولأن كون أهله معه لا يمنع الترخص, كالجمال ولنا أنه غير ظاعن عن منزله فلم يبح له الترخص, كالمقيم في المدن فأما النصوص فإن المراد بها الظاعن عن منزله وليس هذا كذلك, وأما الجمال والمكارى فلهم الترخص وإن سافروا بأهلهم قال: أبو داود: سمعت أحمد يقول في المكارى الذي هو دهره في السفر: لا بد من أن يقدم فيقيم اليوم قيل: فيقيم اليوم واليومين والثلاثة في تهيئه للسفر قال: هذا يقصر وذكر القاضي وأبو الخطاب أنه ليس له القصر كالملاح وهذا غير صحيح لأنه مسافر مشفوق عليه, فكان له القصر كغيره ولا يصح قياسه على الملاح فإن الملاح في منزله سفرا وحضرا ومعه مصالحه وتنوره وأهله, وهذا لا يوجد في غيره وإن سافر هذا بأهله كان أشق عليه وأبلغ في استحقاق الترخص وقد ذكرنا نص أحمد في الفرق بينهما, والنصوص متناولة لهذا بعمومها وليس هو في معنى المخصوص فوجب القول بثبوت حكم النص فيه, والله أعلم. قال: [ومن لم ينو القصر في وقت دخوله إلى الصلاة لم يقصر] وجملته أن نية القصر شرط في جوازه ويعتبر وجودها عند أول الصلاة كنية الصلاة وهذا قول الخرقي واختاره القاضي وقال أبو بكر: لا تشترط نيته لأن من خير في العبادة قبل الدخول فيها خير بعد الدخول فيها, كالصوم ولأن القصر هو الأصل بدليل خبر عائشة وعمر, وابن عباس فلا يحتاج إلى نية كالإتمام في الحضر, ووجه الأول أن الإتمام هو الأصل على ما سنذكره في مسألة " وللمسافر أن يقصر وله أن يتم " وإطلاق النية ينصرف إلى الأصل, ولا ينصرف عنه إلا بتعيين ما يصرفه إليه كما لو نوى الصلاة مطلقا ولم ينو إماما ولا مأموما, فإنه ينصرف إلى الانفراد إذ هو الأصل والتفريع يقع على هذا القول فلو شك في أثناء صلاته, هل نوى القصر في ابتدائها أو لا لزمه إتمامها احتياطا لأن الأصل عدمها فإن ذكر بعد ذلك أنه كان قد نوى القصر, لم يجز له القصر لأنه قد لزمه الإتمام فلم يزل ولو نوى الإتمام أو ائتم بمقيم, ففسدت الصلاة وأراد إعادتها لزمه الإتمام أيضا لأنها وجبت عليه تامة بتلبسه بها خلف المقيم, ونية الإتمام وهذا قول الشافعي وقال الثوري وأبو حنيفة: إذا فسدت صلاة الإمام عاد المسافر إلى حاله ولنا أنها وجبت بالشروع فيها تامة, فلم يجز له قصرها كما لو لم تفسد. ومن نوى القصر ثم نوى الإتمام, أو نوى ما يلزمه به الإتمام من الإقامة أو قلب نيته إلى سفر معصية أو نوى الرجوع عن سفره, ومسافة رجوعه لا يباح فيه القصر ونحو هذا لزمه الإتمام ولزم من خلفه متابعته وبهذا قال الشافعي وقال: مالك: لا يجوز له الإتمام لأنه نوى عددا, فإذا زاد عليه حصلت الزيادة بغير نية ولنا أن نية صلاة الوقت قد وجدت, وهي أربع وإنما أبيح ترك ركعتين رخصة فإذا أسقط نية الترخص, صحت الصلاة بنيتهما ولزمه الإتمام ولأن الإتمام الأصل, وإنما أبيح تركه بشرط فإذا زال الشرط عاد الأصل إلى حاله. وإذا قصر المسافر معتقدا لتحريم القصر لم تصح صلاته لأنه فعل ما يعتقد تحريمه, فلم يقع مجزئا كمن صلى يعتقد أنه محدث ولأن نية التقرب بالصلاة شرط, وهذا يعتقد أنه عاص فلم تحصل نية التقرب. قال: [والصبح والمغرب لا يقصران وهذا لا خلاف فيه] قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن لا يقصر في صلاة المغرب والصبح, وأن القصر إنما هو في الرباعية ولأن الصبح ركعتان فلو قصرت صارت ركعة, وليس في الصلاة ركعة إلا الوتر والمغرب وتر النهار فلو قصر منها ركعة لم تبق وترا, وإن قصرت اثنتان صارت ركعة فيكون إجحافا بها وإسقاطا لأكثرها وقد روى على بن عاصم, عن داود بن أبي هند عن عامر عن عائشة أم المؤمنين, قالت: (افترض الله الصلاة على نبيكم - صلى الله عليه وسلم- بمكة ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب فلما هاجر إلى المدينة, فأقام بها واتخذها دار هجرة زاد إلى كل ركعتين ركعتين إلا صلاة الغداة لطول القراءة فيها, وإلا صلاة الجمعة للخطبة وإلا صلاة المغرب فإنها وتر النهار فافترضها الله على عباده إلا هذه الصلاة, فإذا سافر صلى الصلاة التي كان افترضها الله عليه ). قال: [وللمسافر أن يتم ويقصر كما له أن يصوم ويفطر] المشهور عن أحمد أن المسافر إن شاء صلى ركعتين, وإن شاء أتم وروى عنه أنه توقف وقال: أنا أحب العافية من هذه المسألة وممن روى عنه الإتمام في السفر: عثمان وسعد بن أبي وقاص, وابن مسعود وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم وبه قال الأوزاعي, والشافعي وهو المشهور عن مالك وقال حماد بن أبي سليمان: ليس له الإتمام في السفر وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأوجب حماد الإعادة على من أتم وقال أصحاب الرأي: إن كان جلس بعد الركعتين قدر التشهد, فصلاته صحيحة وإلا لم تصح وقال عمر بن عبد العزيز: الصلاة في السفر ركعتان حتم لا يصلح غيرهما وروي عن ابن عباس أنه قال: من صلى في السفر أربعا فهو كمن صلى في الحضر ركعتين واحتجوا بأن صلاة السفر ركعتان بدليل قول عمر, وعائشة وابن عباس على ما ذكرناه وروي عن صفوان بن محرز, أنه سأل ابن عمر عن الصلاة في السفر فقال: ركعتان فمن خالف السنة كفر, ولأن الركعتين الأخريين يجوز تركهما إلى غير بدل فلم تجز زيادتهما على الركعتين المفروضتين كما لو زادهما على صلاة الفجر ولنا, قول الله تعالى: قال: [والقصر والفطر أعجب إلى أبي عبد الله -رحمه الله-] أما القصر فهو أفضل من الإتمام في قول جمهور العلماء, وقد كره جماعة منهم الإتمام قال أحمد: ما يعجبني وقال ابن عباس للذى قال له: كنت أتم الصلاة وصاحبى يقصر: أنت الذي كنت تقصر وصاحبك يتم وشدد ابن عمر على من أتم الصلاة روى أن رجلا سأله عن صلاة السفر فقال: ركعتان, فمن خالف السنة كفر وقال بشر بن حرب: سألت ابن عمر: كيف صلاة السفر يا أبا عبد الرحمن؟ قال إما أنتم تتبعون سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم- أخبرتكم وإما لا تتبعون سنة نبيكم فلا أخبركم؟ قلنا: فخير ما اتبع سنة نبينا يا أبا عبد الرحمن قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من المدينة لم يزد على ركعتين حتى يرجع إليها) رواه سعيد قال: حدثنا حماد بن زيد عن بشر ولما بلغ ابن مسعود أن عثمان صلى أربعا استرجع, وقال: (صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين, ثم تفرقت بكم الطرق ووددت أن حظى من أربع ركعتان متقبلتان) وهذا قول مالك ولا أعلم فيه مخالفا من الأئمة إلا الشافعي في أحد قوليه قال: الإتمام أفضل لأنه أكثر عملا وعددا, وهو الأصل فكان أفضل كغسل الرجلين ولنا (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يداوم على القصر) بدليل ما ذكرنا من الأخبار, وقال ابن عمر: (صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله, وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى) متفق عليه وعن ابن مسعود وعمران بن حصين مثل ذلك وروى سعيد بن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (خياركم من قصر في السفر وأفطر) رواه الأثرم مع ما ذكرنا من أقوال الصحابة فيما مضى, ولأنه إذا قصر أدى الفرض بالإجماع وإذ أتم اختلف فيه وأما الغسل فلا نسلم له أنه أفضل من المسح, والفطر نذكره في بابه. واختلفت الرواية في الجمع فروى أنه أفضل من التفريق لأنه أكثر تخفيفا وسهولة فكان أفضل كالقصر وعنه التفريق أفضل لأنه خروج من الخلاف, فكان أفضل كالقصر ولأنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم- المداومة عليه ولو كان أفضل لأدامه كالقصر. قال: [وإذا دخل وقت الظهر على مسافر, وهو يريد أن يرتحل صلاها وارتحل فإذا دخل وقت العصر صلاها, وكذلك المغرب والعشاء الآخرة وإن كان سائرا فأحب أن يؤخر الأولى إلى وقت الثانية فجائز] جملة ذلك أن الجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما, جائز في قول أكثر أهل العلم وممن روى عنه ذلك سعيد بن زيد وسعد وأسامة, ومعاذ بن جبل وأبو موسى وابن عباس, وابن عمر وبه قال: طاوس ومجاهد وعكرمة, ومالك والثوري والشافعي, وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وروي عن سليمان بن أخي زريق بن حكيم, قال: مر بنا نائلة بن ربيعة وأبو الزناد ومحمد بن المنكدر, وصفوان بن سليم وأشياخ من أهل المدينة فأتيناهم في منزلهم, وقد أخذوا في الرحيل فصلوا الظهر والعصر جميعا حين زالت الشمس ثم أتينا المسجد, فإذا زريق بن حكيم يصلي للناس الظهر وقال الحسن وابن سيرين وأصحاب الرأي: لا يجوز الجمع إلا في يوم عرفة بعرفة, وليلة مزدلفة بها وهذا رواية ابن القاسم عن مالك واختياره واحتجوا بأن المواقيت تثبت بالتواتر, فلا يجوز تركها بخبر واحد . ولنا ما روى نافع عن ابن عمر أنه كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء, ويقول: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان إذا جد به السير جمع بينهما) وعن أنس قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما, وإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب) متفق عليهما ولمسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم- (إذا عجل عليه السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما, ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حتى يغيب الشفق) وروى الجمع معاذ بن جبل وابن عباس وسنذكر أحاديثهما فيما بعد, وقولهم: لا نترك الأخبار المتواترة قلنا: لا نتركها وإنما نخصصها وتخصيص المتواتر بالخبر الصحيح جائز بالإجماع, وقد جاز تخصيص الكتاب بخبر الواحد بالإجماع فتخصيص السنة بالسنة أولى وهذا ظاهر جدا فإن قيل: معنى الجمع في الأخبار أن يصلي الأولى في آخر وقتها, والأخرى في أول وقتها قلنا: هذا فاسد لوجهين: أحدهما أنه قد جاء الخبر صريحا في أنه كان يجمعهما في وقت إحداهما على ما سنذكره, ولقول أنس: أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق فيبطل التأويل الثاني, أن الجمع رخصة فلو كان على ما ذكروه لكان أشد ضيقا وأعظم حرجا من الإتيان بكل صلاة في وقتها لأن الإتيان بكل صلاة في وقتها أوسع من مراعاة طرفي الوقتين, بحيث لا يبقى من وقت الأولى إلا قدر فعلها ومن تدبر هذا وجده كما وصفنا ولو كان الجمع هكذا لجاز الجمع بين العصر والمغرب, والعشاء والصبح ولا خلاف بين الأمة في تحريم ذلك والعمل بالخبر على الوجه السابق إلى الفهم منه [أولى] من هذا [التكلف] الذي يصان كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من حمله عليه إذا ثبت هذا فمفهوم قول الخرقي أن الجمع إنما يجوز إذا كان سائرا في وقت الأولى, فيؤخر إلى وقت الثانية ثم يجمع بينهما ورواه الأثرم عن أحمد, وروى نحو هذا القول عن سعد وابن عمر وعكرمة, أخذا بالخبرين اللذين ذكرناهما وروي عن أحمد جواز تقديم الصلاة الثانية إلى الأولى وهذا هو الصحيح وعليه أكثر الأصحاب قال القاضي: الأول هو الفضيلة والاستحباب وإن أحب أن يجمع بين الصلاتين في وقت الأولى منهما, جاز نازلا كان أو سائرا, أو مقيما في بلد إقامة لا تمنع القصر وهذا قول عطاء وجمهور علماء المدينة والشافعي, وإسحاق وابن المنذر لما روى معاذ بن جبل قال: (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك فكان إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر, فيصليهما جميعا وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا, ثم سار وإذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء, وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب) رواه أبو داود, والترمذي وقال: هذا حديث حسن وروى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في الظهر والعصر مثل ذلك وقيل: إنه متفق عليه وهذا صريح في محل النزاع وروى مالك في " الموطأ ", عن أبي الزبير عن أبي الطفيل أن معاذا أخبره, أنهم (خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال: فأخر الصلاة يوما, ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا) قال ابن عبد البر: هذا حديث صحيح, ثابت الإسناد وقال أهل السير: إن غزوة [تبوك] كانت في رجب سنة تسع وفي هذا الحديث أوضح الدلائل, وأقوى الحجج في الرد على من قال: لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جد به السير لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر ماكث في خبائه, يخرج فيصلى الصلاتين جميعا ثم ينصرف إلى خبائه وروى هذا الحديث مسلم في " صحيحه " قال: فكان يصلي الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا والأخذ بهذا الحديث [متعين] لثبوته وكونه صريحا في الحكم ولا معارض له, ولأن الجمع رخصة من رخص السفر فلم يختص بحالة السير كالقصر والمسح, ولكن الأفضل التأخير لأنه أخذ بالاحتياط وخروج من خلاف القائلين بالجمع, وعمل بالأحاديث كلها. ولا يجوز الجمع إلا في سفر يبيح القصر وقال مالك والشافعي في أحد قوليه: يجوز في السفر القصير لأن أهل مكة يجمعون بعرفة ومزدلفة, وهو سفر قصير ولنا أنه رخصة تثبت لدفع المشقة في السفر فاختصت بالطويل, كالقصر والمسح ثلاثا ولأنه تأخير للعبادة عن وقتها فأشبه الفطر ولأن دليل الجمع فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- والفعل لا صيغة له, وإنما هو قضية في عين فلا يثبت حكمها إلا في مثلها ولم ينقل أنه جمع إلا في سفر طويل. ويجوز الجمع لأجل المطر بين المغرب والعشاء ويروى ذلك عن ابن عمر, وفعله أبان بن عثمان في أهل المدينة وهو قول الفقهاء السبعة ومالك والأوزاعي, والشافعي وإسحاق وروي عن مروان, وعمر بن عبد العزيز ولم [يجوزه] أصحاب الرأي فصل: ولنا أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء رواه الأثرم وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقال نافع: إن عبد الله بن عمر كان يجمع إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء وقال هشام بن عروة: رأيت أبان بن عثمان يجمع بين الصلاتين في الليلة المطيرة المغرب والعشاء فيصليهما معه عروة بن الزبير , وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن لا ينكرونه ولا يعرف لهم في عصرهم مخالف, فكان إجماعا رواه الأثرم . فأما الجمع بين الظهر والعصر فغير جائز قال: الأثرم: قيل لأبي عبد الله: الجمع بين الظهر والعصر في المطر؟ قال: لا ما سمعت وهذا [اختيار] أبي بكر, وابن حامد وقول مالك وقال أبو الحسن التميمي: فيه [قولان] أحدهما أنه لا بأس به وهو قول أبي الخطاب, [ومذهب] الشافعي لما روى يحيى بن واضح عن موسى بن عقبة, عن نافع عن ابن عمر (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- جمع في المدينة بين الظهر والعصر في المطر) ولأنه [معنى] أباح الجمع فأباحه بين الظهر والعصر كالسفر ولنا, أن مستند الجمع ما ذكرناه من قول [أبى سلمة] والإجماع ولم يرد إلا في المغرب والعشاء, وحديثهم غير صحيح فإنه غير مذكور في الصحاح والسنن وقول أحمد: ما سمعت يدل على أنه ليس بشيء ولا يصح القياس على المغرب والعشاء لما فيهما من المشقة لأجل الظلمة والمضرة ولا القياس على السفر لأن مشقته لأجل السير وفوات الرفقة, وهو غير موجود ها هنا. والمطر المبيح للجمع هو ما [يبل] الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه وأما الطل والمطر الخفيف الذي لا يبل الثياب, فلا يبيح والثلج كالمطر في ذلك لأنه في معناه, وكذلك البرد. فأما الوحل بمجرده فقال القاضي: قال أصحابنا: هو عذر لأن المشقة تلحق بذلك في النعال والثياب كما تلحق بالمطر وهو قول مالك وذكر أبو الخطاب فيه وجها ثانيا أنه لا يبيح وهو مذهب الشافعي, وأبي ثور لأن مشقته دون مشقة المطر فإن المطر يبل النعال والثياب والوحل لا يبلها, فلم يصح قياسه عليه والأول أصح لأن الوحل يلوث الثياب والنعال ويتعرض الإنسان للزلق فيتأذى نفسه وثيابه, وذلك أعظم من البلل وقد ساوى المطر في العذر في ترك الجمعة والجماعة فدل على تساويهما في المشقة المرعية في الحكم. فأما الريح الشديدة, في الليلة المظلمة الباردة ففيها وجهان: أحدهما يبيح الجمع قال الآمدي: وهو أصح وهو قول عمر بن عبد العزيز لأن ذلك عذر في الجمعة والجماعة, بدليل ما روى محمد بن الصباح حدثنا سفيان عن أيوب, عن نافع عن ابن عمر قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ينادى مناديه في الليلة المطيرة, أو الليلة الباردة ذات الريح: صلوا في رحالكم) رواه ابن ماجه عن محمد بن الصباح والثاني لا يبيحه لأن المشقة فيه دون المشقة في المطر, فلا يصح قياسه عليه ولأن مشقتها من غير جنس مشقة المطر ولا ضابط لذلك يجتمعان فيه, فلم يصح إلحاقه به. هل يجوز الجمع لمنفرد أو من كان طريقه إلى المسجد في ظلال يمنع وصول المطر إليه أو من كان مقامه في المسجد؟ على وجهين: أحدهما, الجواز لأن العذر إذا وجد استوى فيه حال وجود المشقة وعدمها كالسفر ولأن الحاجة العامة إذا وجدت أثبتت الحكم في حق من ليست له حاجة, كالسلم وإباحة اقتناء الكلب للصيد والماشية في حق من لا يحتاج إليهما ولأنه قد روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- جمع في المطر, وليس بين حجرته والمسجد شيء والثاني المنع لأن الجمع لأجل المشقة فيختص بمن تلحقه المشقة, دون من لا تلحقه كالرخصة في التخلف عن الجمعة والجماعة يختص بمن تلحقه المشقة دون من لا تلحقه, كمن في الجامع والقريب منه. ويجوز الجمع لأجل المرض وهو قول عطاء ومالك وقال أصحاب الرأي والشافعي: لا يجوز, فإن أخبار التوقيت ثابتة فلا تترك بأمر محتمل . ولنا ما روى ابن عباس, قال: (جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر) وفي رواية: (من غير خوف ولا سفر) رواهما مسلم وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز لغير عذر, ثبت أنه كان لمرض وقد روي عن أبي عبد الله أنه قال في حديث ابن عباس: هذا عندي رخصة للمريض والمرضع وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر سهلة بنت سهيل وحمنة بنت جحش, لما كانتا مستحاضتين بتأخير الظهر وتعجيل العصر والجمع بينهما بغسل واحد فأباح لهما الجمع لأجل الاستحاضة وأخبار المواقيت مخصوصة بالصور التي أجمعنا على جواز الجمع فيها فيخص منها محل النزاع بما ذكرنا. والمرض المبيح للجمع هو ما يلحقه به بتأدية كل صلاة في وقتها مشقة وضعف قال الأثرم, قيل لأبي عبد الله: المريض يجمع بين الصلاتين؟ فقال: إني لأرجو له ذلك إذا ضعف وكان لا يقدر إلا على ذلك وكذلك يجوز الجمع للمستحاضة ولمن به سلس البول, ومن في معناهما لما روينا من الحديث والله أعلم. والمريض مخير في التقديم والتأخير كالمسافر فإن استوى عنده الأمران فالتأخير أولى لما ذكرنا في المسافر فأما الجمع للمطر فإنما يجمع في وقت الأولى, لأن السلف إنما كانوا يجمعون في وقت الأولى ولأن تأخير الأولى إلى وقت الثانية يفضي إلى لزوم المشقة والخروج في الظلمة, أو طول الانتظار في المسجد إلى دخول وقت العشاء ولأن العادة اجتماع الناس للمغرب فإذا حبسهم في المسجد ليجمع بين الصلاتين, كان أشق من أن يصلي كل صلاة في وقتها وربما يزول العذر قبل خروج وقت الأولى فيبطل الجمع ويمتنع وإن اختاروا تأخير الجمع, جاز والمستحب أن يؤخر الأولى عن أول وقتها شيئا قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن الجمع بين الصلاتين في المطر؟ قال: نعم يجمع بينهما إذا اختلط الظلام قبل أن يغيب الشفق, كذا صنع ابن عمر قال الأثرم: وحدثنا أبو أسامة حدثنا عبيد الله عن نافع, قال: كان أمراؤنا إذا كانت الليلة المطيرة أبطئوا بالمغرب وعجلوا العشاء قبل أن يغيب الشفق فكان ابن عمر يصلي معهم, ولا يرى بذلك بأسا قال عبيد الله: ورأيت القاسم وسالما يصليان معهم في مثل تلك الليلة قيل لأبي عبد الله: فكأن سنة الجمع بين الصلاتين في المطر عندك أن يجمع قبل أن يغيب الشفق وفي السفر يؤخر حتى يغيب الشفق قال: نعم. ولا يجوز الجمع لغير من ذكرنا وقال ابن شبرمة: يجوز إذا كانت حاجة أو شيء, ما لم يتخذه عادة لحديث ابن عباس (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر) فقيل لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته ولنا, عموم أخبار التوقيت وحديث ابن عباس حملناه على حالة المرض ويجوز أن يتناول من عليه مشقة, كالمرضع والشيخ الضعيف وأشباههما ممن عليه مشقة في ترك الجمع, ويحتمل أنه صلى الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها فإن عمرو بن دينار روى هذا الحديث عن جابر بن زيد, عن ابن عباس قال عمرو: قلت: لجابر أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر, وأخر المغرب وعجل العشاء؟ قال: وأنا أظن ذلك. قال ومن شرط جواز الجمع نية الجمع في أحد الوجهين والآخر لا يشترط ذلك وهو قول أبي بكر والتفريع على اشتراطه وموضع النية يختلف باختلاف الجمع فإن جمع في وقت الأولى فموضعه عند الإحرام بالأولى, في أحد الوجهين لأنها نية يفتقر إليها فاعتبرت عند الإحرام, كنية القصر والثاني موضعها من أول الصلاة الأولى إلى سلامها أي ذلك نوى فيه أجزأه لأن موضع الجمع حين الفراغ من آخر الأولى إلى الشروع في الثانية فإذا لم تتأخر النية عنه, أجزأه ذلك وإن جمع في وقت الثانية فموضع النية في وقت الأولى من أوله إلى أن يبقى منه قدر ما يصليها لأنه متى أخرها عن ذلك بغير نية صارت قضاء لا جمعا ويحتمل أن يكون وقت النية إلى أن يبقى منه قدر ما يدركها به وهو ركعة, أو تكبيرة الإحرام على ما قدمنا والذي ذكره أصحابنا أولى فإن تأخيرها من القدر الذي يضيق عن فعلها حرام. فإن جمع في وقت الأولى اعتبرت المواصلة بينهما, وهو أن لا يفرق بينهما إلا تفريقا يسيرا فإن أطال الفصل بينهما بطل الجمع لأن معنى الجمع المتابعة أو المقارنة ولم تكن المتابعة فلم يبق إلا المقارنة فإن فرق بينهما تفريقا كثيرا, بطل الجمع سواء فرق بينهما لنوم أو سهو أو شغل أو قصد أو غير ذلك لأن الشرط لا يثبت المشروط بدونه, وإن كان يسيرا لم يمنع لأنه لا يمكن التحرز منه والمرجع في اليسير والكثير إلى العرف والعادة, لا حد له سوى ذلك وقدره بعض أصحابنا بقدر الإقامة والوضوء والصحيح: أنه لا حد له لأن ما لم يرد الشرع بتقديره لا سبيل إلى تقديره, والمرجع فيه إلى العرف كالإحراز والقبض ومتى احتاج إلى الوضوء والتيمم, فعله إذا لم يطل الفصل وإن تكلم بكلام يسير لم يبطل الجمع, وإن صلى بينهما السنة بطل الجمع لأنه فرق بينهما بصلاة فبطل الجمع, كما لو صلى بينهما غيرها وعنه: لا يبطل لأنه تفريق يسير أشبه ما لو توضأ وإن جمع في وقت الثانية جاز التفريق لأنه متى صلى الأولى فالثانية في وقتها, لا تخرج بتأخيرها عن كونها مؤداة وفيه وجه آخر أن المتابعة مشترطة لأن الجمع حقيقته ضم الشيء إلى الشيء ولا يحصل مع التفريق والأول أصح لأن الأولى بعد وقوعها صحيحة لا تبطل بشيء يوجد بعدها, والثانية لا تقع إلا في وقتها. ومتى جمع في وقت الأولى اعتبر وجود العذر المبيح حال افتتاح الأولى والفراغ منها وافتتاح الثانية فمتى زال العذر في أحد هذه الثلاثة لم يبح الجمع وإن زال المطر في أثناء الأولى ثم عاد قبل الفراغ منها, أو انقطع بعد الإحرام بالثانية جاز الجمع ولم يؤثر انقطاعه لأن العذر وجد في وقت النية, وهو عند الإحرام بالأولى وفي وقت الجمع وهو آخر الأولى وأول الثانية, فلم يضر عدمه في غير ذلك فأما المسافر إذا نوى الإقامة في أثناء الصلاة الأولى انقطع الجمع والقصر, ولزمه الإتمام ولو عاد فنوى السفر لم يبح له الترخص حتى يفارق البلد الذي هو فيه وإن نوى الإقامة بعد الإحرام بالثانية أو دخلت به السفينة بلده في أثنائها, احتمل أن يتمها ويصح قياسا على انقطاع المطر قال بعض أصحاب الشافعي: هذا الذي يقتضيه مذهب الشافعي ويحتمل أن ينقلب نفلا ويبطل الجمع لأنه أحد رخص السفر, فبطل بذلك كالقصر والمسح ولأنه زال شرطها في أثنائها, أشبه بسائر شروطها ويفارق انقطاع المطر من وجهين: أحدهما أنه لا يتحقق انقطاعه لاحتمال عوده في أثناء الصلاة والثاني أن يخلفه عذر مبيح, وهو الوحل بخلاف مسألتنا وكذلك الحكم في المريض يبرأ ويزول عذره في أثناء الصلاة الثانية فأما إن جمع بينهما في وقت الثانية اعتبر بقاء العذر إلى حين دخول وقتها فإن زال في وقت الأولى, كالمريض يبرأ والمسافر يقدم والمطر ينقطع, لم يبح الجمع لزوال سببه وإن استمر إلى حين دخول وقت الثانية جمع وإن زال العذر لأنهما صارتا واجبتين في ذمته, ولا بد له من فعلهما. وإن أتم الصلاتين في وقت الأولى ثم زال العذر بعد فراغه منهما قبل دخول وقت الثانية أجزأته, ولم تلزمه الثانية في وقتها لأن الصلاة وقعت صحيحة مجزية عن ما في ذمته وبرئت ذمته منها فلم تشتغل الذمة بها بعد ذلك, ولأنه أدى فرضه حال العذر فلم يبطل بزواله بعد ذلك كالمتيمم إذا وجد الماء بعد فراغه من الصلاة. وإذا جمع في وقت الأولى, فله أن يصلي سنة الثانية منهما ويوتر قبل دخول وقت الثانية لأن سنتها تابعة لها فيتبعها في فعلها ووقتها, والوتر وقته ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح وقد صلى العشاء فدخل وقته. وإذا صلى إحدى صلاتى الجمع مع إمام وصلى الثانية مع إمام آخر, وصلى معه مأموم في إحدى الصلاتين وصلى معه في الثانية مأموم ثان صح وقال ابن عقيل: لا يصح لأن كل واحد من الإمام والمأموم أحد من يتم به الجمع, فلم يجز اختلافه وإذا اشترط دوامه كالعذر اشترط دوامه في الصلاتين ولنا أن لكل صلاة حكم نفسها, وهي منفردة بنيتها فلم يشترط اتحاد الإمام ولا المأموم كغير المجموعتين وقوله: إن الإمام والمأموم أحد من يتم به الجمع لا يصح, فإنه يجوز للمريض والمسافر الجمع منفردا وفي المطر في أحد الوجهين وإن قلنا: إن الجمع في المطر لا يصح إلا في الجماعة فالذى يتم به الجمع الجماعة لا عين الإمام والمأموم ولم تختل الجماعة, وعلى ما ذكرناه لو ائتم المأموم بإمام لا ينوي الجمع فنواه المأموم, فلما سلم الإمام صلى المأموم الثانية جاز لأننا أبحنا له مفارقة إمامة في الصلاة الواحدة لعذر ففي الصلاتين أولى, ولأن نيتهما لم تختلف في الصلاة الأولى وإنما نوى أن يفعل فعلا في غيرها فأشبه ما لو نوى المسافر في الصلاة الأولى إتمام الثانية, وهكذا لو صلى المسافر بمقيمين فنوى الجمع فلما صلى بهم الأولى قام فصلى الثانية, جاز على هذا وكذلك لو صلى أحد صلاتى الجمع منفردا ثم حضرت جماعة يصلون الثانية فأمهم فيها, أو صلى معهم مأموما جاز وقول ابن عقيل يقتضي أن لا يجوز شيء من ذلك. قال: [وإذا نسي صلاة حضر فذكرها في السفر, أو صلاة سفر فذكرها في الحضر صلى في الحالتين صلاة حضر] نص أحمد -رحمه الله- على هاتين المسألتين في رواية أبي داود والأثرم قال في رواية الأثرم: أما المقيم إذا ذكرها في السفر فذاك بالإجماع يصلي أربعا, وإذا نسيها في السفر فذكرها في الحضر صلى أربعا بالاحتياط, فإنما وجبت عليه الساعة فذهب أبو عبد الله -رحمه الله- إلى ظاهر الحديث: " فليصلها إذا ذكرها " أما إذا نسي صلاة الحضر, فذكرها في السفر فعليه الإتمام إجماعا ذكره الإمام أحمد وابن المنذر لأن الصلاة تعين عليه فعلها أربعا, فلم يجز له النقصان من عددها كما لو لم يسافر ولأنه إنما يقضى ما فاته, وقد فاته أربع وأما إن نسي صلاة السفر فذكرها في الحضر فقال أحمد: عليه الإتمام احتياطا وبه قال الأوزاعي, وداود والشافعي في أحد قوليه وقال مالك والثوري, وأصحاب الرأي: يصليها صلاة سفر لأنه إنما يقضى ما فاته ولم يفته إلا ركعتان ولنا أن القصر رخصة من رخص السفر, فيبطل بزواله كالمسح ثلاثا ولأنها وجبت عليه في الحضر بدليل قوله عليه السلام: " فليصلها إذا ذكرها " ولأنها عبادة تختلف بالحضر والسفر, فإذا وجد أحد طرفيها في الحضر غلب فيها حكمه كما لو دخلت به السفينة البلد في أثناء الصلاة وكالمسح وقياسهم ينتقض بالجمعة إذا فاتت, وبالمتيمم إذا فاتته الصلاة فقضاها عند وجود الماء. وإن نسيها في سفر فذكرها فيه, قضاها مقصورة لأنها وجبت في السفر وفعلت فيه, أشبه ما لو صلاها في وقتها وإن ذكرها في سفر آخر فكذلك لما ذكرنا وسواء ذكرها في الحضر أو لم يذكرها ويحتمل أنه إذا ذكرها في الحضر لزمته تامة لأنه وجب عليه فعلها تامة بذكره إياها فبقيت في ذمته والأول أولى لأن وجوبها وفعلها في السفر فكانت صلاة سفر, كما لو لم يذكرها في الحضر وذكر بعض أصحابنا أن من شرط القصر كون الصلاة مؤداة لأنها صلاة مقصورة فاشترط لها الوقت, كالجمعة وهذا فاسد فإن هذا اشتراط بالرأي والتحكم لم يرد الشرع به والقياس على الجمعة غير صحيح فإن الجمعة لا تقضى, ويشترط لها الخطبتان والعدد والاستيطان فجاز اشتراط الوقت لها بخلاف صلاة السفر. وإذا سافر بعد دخول وقت الصلاة, فقال ابن عقيل: فيه روايتان: إحداهما قصرها قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن له قصرها وهذا قول مالك والأوزاعي, والشافعي وأصحاب الرأي لأنه سافر قبل خروج وقتها أشبه ما لو سافر قبل وجوبها والثانية ليس له قصرها لأنها وجبت عليه في الحضر, فلزمه إتمامها كما لو سافر بعد خروج وقتها أو بعد إحرامه بها, وفارق ما قبل الوقت لأن الصلاة لم تجب عليه. قال: [وإذا دخل مع مقيم وهو مسافر ائتم] وجملة ذلك أن المسافر متى ائتم بمقيم, لزمه الإتمام سواء أدرك جميع الصلاة أو ركعة أو أقل قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن المسافر, يدخل في تشهد المقيمين؟ قال: يصلي أربعا وروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وجماعة من التابعين وبه قال الثوري, والأوزاعي والشافعي وأبو ثور, وأصحاب الرأي وقال إسحاق: للمسافر القصر لأنها صلاة يجوز فعلها ركعتين فلم تزد بالائتمام كالفجر وقال طاوس, والشعبي وتميم بن حذلم في المسافر يدرك من صلاة المقيم ركعتين: يجزيان وقال الحسن, والنخعي والزهري وقتادة, ومالك: إن أدرك ركعة أتم وإن أدرك دونها قصر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة) ولأن من أدرك من الجمعة ركعة أتمها جمعة ومن أدرك أقل من ذلك, لا يلزمه فرضها . ولنا ما روي عن ابن عباس أنه قيل له: (ما بال المسافر يصلي ركعتين في حال الانفراد, وأربعا إذا ائتم بمقيم؟ فقال: تلك السنة) رواه أحمد في " المسند " وقوله: السنة ينصرف إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولأنه فعل من سمينا من الصحابة ولا نعرف لهم في عصرهم مخالفا قال نافع: كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلاها أربعا, وإذا صلى وحده صلاها ركعتين رواه مسلم ولأن هذه صلاة مردودة من أربع إلى ركعتين فلا يصليها خلف من يصلي الأربع كالجمعة وما ذكره إسحاق لا يصح عندنا فإنه لا تصح له صلاة الفجر خلف من يصلي الرباعية وإدراك الجمعة يخالف ما نحن فيه, فإنه لو أدرك ركعة من الجمعة رجع إلى ركعتين وهذا بخلافه ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) ومفارقة إمامه اختلاف عليه فلم يجز مع إمكان متابعته وإذا أحرم المسافرون خلف مسافر فأحدث, واستخلف مسافرا آخر فلهم القصر لأنهم لم يأتموا بمقيم وإن استخلف مقيما لزمهم الإتمام لأنهم ائتموا بمقيم, وللإمام الذي أحدث أن يصلي صلاة المسافر لأنه لم يأتم بمقيم ولو صلى المسافرون خلف مقيم فأحدث واستخلف مسافرا أو مقيما لزمهم الإتمام لأنهم ائتموا بمقيم, فإن استخلف مسافرا لم يكن معهم في الصلاة فله أن يصلي صلاة السفر لأنه لم يأتم بمقيم. وإذا أحرم المسافر خلف مقيم أو من يغلب على ظنه أنه مقيم, أو من يشك هل هو مقيم أو مسافر؟ لزم الإتمام وإن قصر إمامه لأن الأصل وجوب الصلاة تامة فليس له نية قصرها مع الشك في وجوب إتمامها, ويلزمه إتمامها اعتبارا بالنية وهذا مذهب الشافعي وإن غلب على ظنه أن الإمام مسافر لرؤية حلية المسافرين عليه وآثار السفر فله أن ينوي القصر فإن قصر إمامه قصر معه, وإن أتم لزمه متابعته وإن نوى الإتمام لزمه الإتمام سواء قصر إمامه, أو أتم اعتبارا بالنية وإن نوى القصر فأحدث إمامه قبل علمه بحاله فله القصر لأن الظاهر أن إمامه مسافر لوجود دليله, وقد أبيحت له نية القصر بناء على هذا الظاهر ويحتمل أن يلزمه الإتمام احتياطا. إذا صلى المسافر صلاة الخوف بمسافرين ففرقهم فرقتين, فأحدث قبل مفارقة الطائفة الأولى واستخلف مقيما لزم الطائفتين الإتمام, لوجود الائتمام بمقيم وإن كان ذلك بعد مفارقة الأولى أتمت الثانية وحدها, لاختصاصها بالائتمام بالمقيم وإن كان الإمام مقيما فاستخلف مسافرا ممن كان معه في الصلاة فعلى الجميع الإتمام لأن المستخلف قد لزمه الإتمام باقتدائه بالمقيم, فصار كالمقيم وإن لم يكن دخل معه في الصلاة وكان استخلافه قبل مفارقة الأولى, فعليها الإتمام لائتمامها بمقيم ويقصر الإمام والطائفة الثانية وإن استخلف بعد دخول الثانية معه فعلى الجميع الإتمام, وللمستخلف القصر وحده لأنه لم يأتم بمقيم. قال: [وإذا صلى مسافر ومقيم خلف مسافر أتم المقيم إذا سلم إمامه] أجمع أهل العلم على أن المقيم إذا ائتم بالمسافر وسلم المسافر من ركعتين, أن على المقيم إتمام الصلاة وقد روي عن عمران بن حصين قال: (شهدت الفتح مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأقام بمكة ثمانى عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ثم يقول لأهل البلد: صلوا أربعا, فإنا سفر) رواه أبو داود ولأن الصلاة واجبة عليه أربعا فلم يكن له ترك شيء من ركعاتها كما لو لم يأتم بمسافر. ويستحب للإمام إذا صلى بمقيمين أن يقول لهم عقيب تسليمه: أتموا, فإنا سفر لما ذكرنا من الحديث ولئلا يشتبه على الجاهل عدد ركعات الصلاة فيظن أن الرباعية ركعتان وقد روى الأثرم, عن الزهري أن عثمان إنما أتم الصلاة لأن الأعراب حجوا فأراد أن يعرفهم أن الصلاة أربع. وإذا أم المسافر المقيمين, فأتم بهم الصلاة فصلاتهم تامة صحيحة وبهذا قال الشافعي وإسحاق وقال أبو حنيفة والثوري: تفسد صلاة المقيمين, وتصح صلاة الإمام والمسافرين معه وعن أحمد نحو ذلك قال القاضي: لأن الركعتين الأخريين نفل من الإمام فلا يؤم بها مفترضين ولنا أن المسافر يلزمه الإتمام بنيته, فيكون الجميع واجبا ولو كانت نفلا فائتمام المفترض بالمتنفل جائز على ما مضى. وإن أم المسافر مسافرين, فنسى فصلاها تامة صحت صلاته وصلاتهم ولا يلزم لذلك سجود سهو لأنها زيادة لا يبطل الصلاة عمدها, فلا يجب السجود لسهوها كزيادات الأقوال مثل القراءة في السجود والقعود, وهل يشرع السجود لها؟ يخرج على الروايتين في الزيادات المذكورة واختار ابن عقيل أنه لا يحتاج إلى سجود لأنه أتى بالأصل فلم يحتج إلى جبران ووجه مشروعيته أن هذه زيادة نقصت الفضيلة وأخلت بالكمال فأشبهت القراءة في غير محلها, وقراءة السورة في الأخريين وإذا ذكر الإمام بعد قيامه إلى الثالثة لم يلزمه الإتمام وله أن يجلس, فإن الموجب للإتمام نيته أو الائتمام بمقيم ولم يوجد واحد منهما وإن علم المأموم أن قيامه لسهو, وسبحوا به لم يلزمه متابعته لأنه سهو فلا يجب اتباعه فيه ولهم مفارقته إن لم يرجع, كما لو قام إلى ثالثة في الفجر وإن تابعوه لم تبطل صلاتهم لأنها زيادة لا تبطل صلاة الإمام فلا تبطل صلاة المأموم بمتابعته فيها, كزيادات الأقوال ولأنهم لو فارقوا الإمام وأتموا, صحت صلاتهم فمع موافقته أولى وقال القاضي: تفسد صلاتهم لأنهم زادوا ركعتين عمدا وإن لم يعلموا هل قام سهوا أو عمدا لزمهم متابعته, ولم يكن لهم مفارقته لأن حكم وجوب المتابعة ثابت فلا يزول بالشك. قال: [وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم] المشهور عن أحمد -رحمه الله- أن المدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة رواه الأثرم والمروذي, وغيرهما وعنه أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم وإن نوى دونها قصر وهذا قول مالك, والشافعي وأبي ثور لأن الثلاث حد القلة بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (يقيم المهاجر بعد قضاء منسكه ثلاثا) ولما أخلى عمر رضي الله عنه أهل الذمة, ضرب لمن قدم منهم تاجرا ثلاثا فدل على أن الثلاث في حكم السفر وما زاد في حكم الإقامة ويروى هذا القول عن عثمان رضي الله عنه وقال الثوري, وأصحاب الرأي: إن أقام خمسة عشر يوما مع اليوم الذي يخرج فيه أتم وإن نوى دون ذلك قصر وروى ذلك عن ابن عمر وسعيد بن جبير, والليث بن سعد لما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا: إذا قدمت وفي نفسك أن تقيم بها خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة ولا يعرف لهم مخالف وروي عن سعيد بن المسيب مثل هذا القول وروى عنه قتادة, قال: إذا أقمت أربعا فصل أربعا وروي عن على رضي الله عنه قال: يتم الصلاة الذي يقيم عشرا ويقصر الصلاة الذي يقول: أخرج اليوم أخرج غدا, شهرا وهذا قول محمد بن على وابنه والحسن بن صالح وعن ابن عباس قال: إذا قدمت بلدة فلم تدر متى تخرج فأتم الصلاة, وإن قلت: أخرج اليوم أخرج غدا فأقمت عشرا فأتم الصلاة وعنه, أنه قال: (إن النبي - صلى الله عليه وسلم- أقام في بعض أسفاره تسع عشرة يصلي ركعتين قال ابن عباس: فنحن إذا أقمنا تسع عشرة نصلى ركعتين وإذا زدنا على ذلك أتممنا) رواه البخاري وقال الحسن: صل ركعتين ركعتين إلى أن تقدم مصرا, فأتم الصلاة وصم وقالت عائشة: إذا وضعت الزاد والمزاد فأتم الصلاة وكان طاوس إذا قدم مكة صلى أربعا . ولنا ما روى أنس قال: (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى مكة, فصلى ركعتين حتى رجع وأقام بمكة عشرا يقصر الصلاة) متفق عليه وذكر أحمد حديث جابر وابن عباس (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قدم لصبح رابعة فأقام النبي - صلى الله عليه وسلم- اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع, وصلى الفجر بالأبطح يوم الثامن) فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام وقد أجمع على إقامتها قال: فإذا أجمع أن يقيم كما أقام النبي - صلى الله عليه وسلم- قصر, وإذا أجمع على أكثر من ذلك أتم قال الأثرم: وسمعت أبا عبد الله يذكر حديث أنس في الإجماع على الإقامة للمسافر فقال: هو كلام ليس يفقهه كل أحد وقوله: أقام النبي - صلى الله عليه وسلم- عشرا يقصر الصلاة فقال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم- لصبح رابعة وخامسة وسادسة وسابعة ثم قال: وثامنة يوم التروية وتاسعة وعاشرة فإنما وجه حديث أنس أنه حسب مقام النبي - صلى الله عليه وسلم- بمكة ومنى وإلا فلا وجه له عندي غير هذا فهذه أربعة أيام, وصلاة الصبح بها يوم التروية تمام إحدى وعشرين صلاة يقصر فهذا يدل على أن من أقام إحدى وعشرين صلاة يقصر وهي تزيد على أربعة أيام, وهذا صريح في خلاف قول من حده بأربعة أيام وقول أصحاب الرأي: لم نعرف لهم مخالفا في الصحابة غير صحيح فقد ذكرنا الخلاف فيه عنهم, وذكرنا عن ابن عباس نفسه خلاف ما حكوه عنه رواه سعيد في سننه ولم أجد ما حكوه عنه فيه وحديث ابن عباس في إقامة تسع عشرة وجهه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يجمع الإقامة قال أحمد: أقام النبي - صلى الله عليه وسلم- بمكة ثمانى عشرة زمن الفتح لأنه أراد حنينا, ولم يكن ثم إجماع المقام وهذه هي إقامته التي رواها ابن عباس والله أعلم. ومن قصد بلدا بعينه فوصله غير عازم على الإقامة به مدة ينقطع فيها حكم سفره, فله القصر فيه قال أحمد في من دخل مكة لم يجمع على إقامة تزيد على إقامة النبي - صلى الله عليه وسلم- بها وهو أن يقدم رابع ذى الحجة: فله القصر وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان في أسفاره يقصر حتى يرجع, وحين قدم مكة وأقام بها ما أقام كان يقصر فيها وهذا خلاف قول عائشة والحسن ولا فرق بين أن يقصد الرجوع إلى بلده كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع, على ما في حديث أنس وبين أن يريد بلدا آخر كما فعل - صلى الله عليه وسلم- في غزوة الفتح, على ما في حديث ابن عباس. وإن مر في طريقه على بلد له فيه أهل أو مال فقال أحمد في موضع: يتم وقال في موضع: يتم إلا أن يكون مارا وهذا قول ابن عباس وقال الزهري: إذا مر بمزرعة له أتم وقال مالك: إذا مر بقرية فيها أهله أو ماله أتم إذا أراد أن يقيم بها يوما وليلة وقال الشافعي, وابن المنذر: يقصر ما لم يجمع على إقامة أربع لأنه مسافر لم يجمع على أربع . ولنا ما روي عن عثمان, أنه صلى بمنى أربع ركعات فأنكر الناس عليه فقال: يا أيها الناس, إني تأهلت بمكة منذ قدمت وإنى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (من تأهل في بلد فليصل صلاة المقيم) رواه الإمام أحمد في " المسند " وقال ابن عباس: إذا قدمت على أهل لك أو مال فصل صلاة المقيم ولأنه مقيم ببلد فيه أهله, فأشبه البلد الذي سافر منه. قال أحمد: من كان مقيما بمكة ثم خرج إلى الحج وهو يريد أن يرجع إلى مكة, فلا يقيم بها حتى ينصرف فهذا يصلي بعرفة ركعتين لأنه حين خرج من مكة أنشأ السفر فهو في سفر من حين خرج من مكة ولو أن رجلا كان مقيما ببغداد, فأراد الخروج إلى الكوفة فعرضت له حاجة بالنهروان ثم رجع فمر ببغداد ذاهبا إلى الكوفة, صلى ركعتين إذا كان يمر ببغداد مجتازا لا يريد الإقامة بها وإن كان الذي خرج إلى عرفة في نيته الإقامة بمكة إذا رجع فإنه لا يقصر بعرفة, ولذلك أهل مكة لا يقصرون وإن صلى رجل خلف مكى يقصر الصلاة بعرفة ركعتين ثم قام بعد صلاة الإمام فأضاف إليها ركعتين أخريين, صحت الصلاة لأن المكى يقصر بتأويل فصحت صلاة من يأتم به. وإذا خرج المسافر فذكر حاجة, فرجع إليها فله القصر في رجوعه إلا أن يكون نوى أن يقيم إذا رجع مدة تقطع القصر, أو يكون أهله أو ماله في البلد الذي رجع إليه لما ذكرنا هكذا حكى عن أحمد وقوله في الرواية الأخرى: أتم إلا أن يكون مارا يقتضي أنه إذا قصد أخذ حاجته, والرجوع من غير إقامة أنه يقصر والشافعي يرى له القصر, ما لم ينو في رجوعه الإقامة في البلد أربعا قال: ولو كان أتم أحب إلى وقال مالك: يتم حتى يخرج فاصلا للثانية ونحوه قول الثوري ولنا أنه قد ثبت له حكم السفر بخروجه, ولم توجد إقامة تقطع حكمه فأشبه ما لو أتى قرية غير مخرجه. قال: [وإن قال اليوم أخرج وغدا أخرج قصر, وإن أقام شهرا] وجملة ذلك أن من لم يجمع الإقامة مدة تزيد على إحدى وعشرين صلاة فله القصر ولو أقام سنين, مثل أن يقيم لقضاء حاجة يرجو نجاحها أو لجهاد عدو أو حبسه سلطان أو مرض, وسواء غلب على ظنه انقضاء الحاجة في مدة يسيرة أو كثيرة بعد أن يحتمل انقضاؤها في المدة التي لا تقطع حكم السفر قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع إقامة, وإن أتى عليه سنون وقد روى ابن عباس قال: (أقام النبي - صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره تسع عشرة يصلي ركعتين) رواه البخاري وقال جابر: (أقام النبي - صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك عشرين يوما يقصر الصلاة) رواه الإمام أحمد في " مسنده " وفي حديث عمران بن حصين (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أقام بمكة ثمانى عشرة لا يصلي إلا ركعتين) رواه أبو داود وروي عن عبد الرحمن بن المسور عن أبيه, قال: أقمنا مع سعد بعمان أو سلمان فكان يصلي ركعتين ويصلى أربعا, فذكرنا ذلك له فقال: نحن أعلم رواه الأثرم وروى سعيد بإسناده عن المسور بن مخرمة قال: أقمنا مع سعد ببعض قرى الشام أربعين ليلة يقصرها سعد, ونتمها وقال نافع: أقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين وقد حال الثلج بينه وبين الدخول وعن حفص بن عبد الله: أن أنس بن مالك أقام بالشام سنتين يصلي صلاة المسافر وقال أنس: أقام أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- برامهرمز سبعة أشهر يقصرون الصلاة وعن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة, قال: أقمت معه سنتين بكابل يقصر الصلاة ولا يجمع وقال إبراهيم: كانوا يقيمون بالرى السنة وأكثر من ذلك وبسجستان السنتين, يجمعون ولا يصومون وقد ذكرنا عن على رضي الله عنه أنه قال: ويقصر إذا قال: اليوم أخرج غدا أخرج - شهرا وهذا مثل قول الخرقي, ولعل الخرقي - -رحمه الله- - إنما قال ذلك اقتداء به ولم يرد أن نهاية القصر إلى شهر وإنما أراد أنه لا نهاية للقصر, والله أعلم. وإن عزم على إقامة طويلة في رستاق يتنقل فيه من قرية إلى قرية لا يجمع على الإقامة بواحدة منها مدة تبطل حكم السفر, لم يبطل حكم سفره لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أقام عشرا بمكة وعرفة ومنى فكان يقصر في تلك الأيام كلها وروى الأثرم بإسناده عن مورق, قال: سألت ابن عمر قلت: إني رجل تاجر آتى الأهواز, فأنتقل في قراها من قرية إلى قرية فأقيم الشهر وأكثر من ذلك قال: تنوى الإقامة؟ قلت: لا قال: لا أراك إلا مسافرا صل صلاة المسافرين ولأنه لم ينو الإقامة في بلد بعينه, فأشبه المتنقل في سفره من منزل إلى منزل. وإذا دخل بلدا فقال: إن لقيت فلانا أقمت وإن لم ألقه لم أقم لم يبطل حكم سفره لأنه لم يجزم بالإقامة, ولأن المبطل لحكم السفر هو العزم على الإقامة ولم يوجد وإنما علقه على شرط, وليس ذلك بحرام. ولا بأس بالتطوع نازلا وسائرا على الراحلة لما روى ابن عمر (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه) وكان ابن عمر يفعله وروى نحو ذلك عن جابر وأنس متفق عليهن وروت أم هانئ بنت أبي طالب (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة اغتسل في بيتها فصلى ثمانى ركعات) متفق عليه وعن على رضي الله عنه (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يتطوع في السفر) رواه سعيد ويصلى ركعتى الفجر والوتر لأن ابن عمر روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يوتر على بعيره ولما نام النبي - صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس, صلى ركعتى الفجر قبلها متفق عليهما فأما سائر السنن والتطوعات قبل الفرائض وبعدها فقال أحمد: أرجو أن لا يكون بالتطوع في السفر بأس وروي عن الحسن قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يسافرون, فيتطوعون قبل المكتوبة وبعدها وروى ذلك عن عمر وعلى وابن مسعود, وجابر وأنس وابن عباس, وأبي ذر وجماعة من التابعين كثير وهو قول مالك, والشافعي وإسحاق وأبي ثور, وابن المنذر وكان ابن عمر لا يتطوع مع الفريضة قبلها ولا بعدها إلا من جوف الليل ونقل ذلك عن سعيد بن المسيب, وسعيد بن جبير وعلى بن الحسين لما روى أن ابن عمر رأى قوما يسبحون بعد الصلاة فقال: لو كنت مسبحا لأتممت صلاتى يا ابن أخي: (صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله, وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وذكر عمر وعثمان وقال:
|